المكسيك وأزمة التكيلا.. ماذا حدث في "مكسيكو"؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

نجوى عسران-  مديرة مكتبي CNBC عربية في القاهرة والكويت

 

المكسيك دولة ذات وضع خاص جداً، فهذه الدولة التي يبلغ تعداد سكانها قرابة 130 مليون نسمة لديها حدود برية مشتركة مع جارتها الولايات المتحدة الاميركية  تمتد بطول 3145 كيلومتر، إلى جانب الحدود البحرية التي تمتد في المحيط الهادي بنحو 29 كيلومتراً، وأيضاً في خليج المكسيك بنحو 19 كيلومتراً، أي أنها تقع في حضن الولايات المتحدة الاميركية.

وهذا "الحضن" له مميزاته كما أنه له عيوبه وآثاره السلبية، فهناك 4 ولايات أميركية تقع على الحدود مع المكسيك، وهي كاليفورنيا وأريزونا ونيومكسيكو وولاية تكساس. علماً أن هذه الولايات الـ 4 كانت يوماً ما جزءً من المكسيك، ضمها العم سام له في اتفاقية وقعت عام 1854 بعد انتهاء الحرب الأميركية المكسيكية التي امتدت عامين من 1846 حتى عام 1848، وحصلت الولايات المتحدة على مساحة مليون و370 ألف كيلو متر مربع من الأراضي المكسيكية، تمثل نحو 15% من مساحة الولايات المتحدة حالياً و42% من مساحة المكسيك آنذاك، ودفعت الولايات المتحدة مقابلها 15 مليون دولار فقط! 

 

 

اقرأ أيضاً: أزمة الأرجنتين.. حصيلة من السياسات الخاطئة

 

ومن البديهي وبسبب الموقع الجغرافي الاستراتيجي، اتجهت الولايات المتحدة إلى الاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة الواقعة على أعتابها في وقت اتجه فيه العالم إلى الصين لنفس السبب.

وتحولت الحدود المكسيكية الأمريكية إلى مدن أشبه بخلايا النحل بعد أن انتقلت المصانع خاصة في قطاعات الأغذية والنسيج والسيارات والدواء، أشهرها جنرال موتورز وهونيويل وسترايكر وغيرها.

ومن هنا جاءت اتفاقية النافتا NAFTA في عام 1994 بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والتي ألغت كل القيود التجارية بين البلدان الثلاثة وسهلت التجارة البينية بينهم.

وكان من المفترض أن يتزامن مع توقيع الاتفاقية التجارية أن تشهد المكسيك طفرة اقتصادية حيث أنها ستجذب المزيد من الاستثمارات من الولايات المتحدة وكندا، إلا أن عام 1994 بالتحديد شهد أزمة "التكيلا" التي أثرت ليس فقط على المكسيك ولكن على دول أخرى في أميركا اللاتينية.

فما هو السبب؟

الحقيقة أن أزمة عام 1994 هي أزمة عملة في الأول والأخير. فبسبب الاعتماد الكبير على الاستيراد، شهدت المكسيك عجزاً كبيراً في الميزان التجاري، وحاولت الحكومة الحفاظ على قيمة عملتها عن طريق استبدال البيزو من السوق مقابل الدولارات في محاولة لابقاء البيزو قوياً حتى استنزفت  كامل الاحتياطي من الدولارات. واضطرت في النهاية إلى خفض قيمة البيزو بأكثر من 80% ورفع معدل الفائدة في البنوك،  ولجعل الأمور أسوأ، شهد العام نفسه تمرداً من قبل الجماعة الانفصالية زاباتيستا في إقليم تشياباس، وتم اغتيال أهم مرشح للرئاسة في الانتخابات التي كانت ستجرى في نفس العام.
 

 

أول الفارين.. المستثمرون الأجانب

 

وهكذا تحالفت الظروف الاقتصادية والسياسية ضد المكسيك، وبطبيعة الحال، أول الفارين من موقع المعركة هم المستثمرون الأجانب الذين سحبوا أموالهم من البنوك والبورصة المكسيكية، والصناديق التي كانت استثمرت 45 مليار دولار في الأصول المكسيكية في الأعوام السابقة سحبت أموالها ليس فقط من المكسيك ولكن من اغلب الأسواق الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية. وتم تسمية الأزمة التي شهدتها البرازيل وتشيلي بسبب ما حدث في المكسيك بـ "أزمة التكيلا".

وتحول الاستثمار الأجنبي إلى قنبلة موقوتة انفجرت في وجه المكسيك وجيرانها.

عندها، اضطرت المكسيك للإعلان أنها لن تستطيع تسديد التزامتها من خدمة الديون البالغة 80 مليار دولار.

وهنا لعبت الولايات المتحدة دوراً هاماً لإنقاذ جارتها، إذ كون الرئيس بيل كلينتون الذي وقع على اتفاقية النافتا  تحالفا مكوناً من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي وكندا وبنك التسوية الدولي وعدة دول أخرى، وتم إقراض المكسيك 50 مليار دولار. 

كلينتون كان يرى أن الأزمة تشكل خطورة على الولايات المتحدة بسبب المخاوف من تدفق المهاجرين، هذا إلى جانب انخفاض الصادرات إلى المكسيك، والتي كانت في ذلك الوقت ثالث أكبر مستورد من الولايات المتحدة.

واستخدمت المكسيك القرض في شراء البيزو مرة أخرى، وبدأت اتفاقية النافتا تأتي ثمارها مع الوقت، إلا أن المكسيك ظلت تعاني من تداعيات الازمة لمدة لا تقل عن ٦ سنوات حتى بدأت تشهد معدلات نمو إيجابية.

 

 

درس ومعلومة من "أزمة التكيلا"

 

هناك درس ومعلومة نستوحيهما من أزمة التكيلا، المعلومة هي أن عملات الدول الناشئة المربوطة بعملات الدول الأخرى لا يمكن أن تتفادى المرور بأزمات لأي ظروف كانت اقتصادية او سياسية، على خلاف عملات الدول الصناعية الكبرى التي تعتمد على حركة حرة في أسواق الفوركس مرتبطة فيها فقط بقوة الصناعة والإنتاج والتصدير. أما الدول الناشئة فعملتها تتأثر بشدة مع أي ظروف قد تمر بها، ولذلك فعلى هذه الدول أن تكون مستعدة دائماً لمواجهة الأزمات غير المتوقعة.

أما الدرس فهو أن العملات المرتبطة بعملات الدول الكبرى لا يجب أن تكون متحكماً بها بالكامل من الحكومات ولا يجب أن يوضع لها تسعيرة ثابتة تلتزم بها لمجرد الحفاظ على قيمة هي في الواقع غير حقيقية، فهذا قد يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي من العملة الصعبة وظهور السوق الموازية "السوداء" في نهاية المطاف.

وأيضاً، لا يجب ان تترك العملة "معومة" بالكامل، فتكون عرضة للظروف والمضاربة وخلافه، فهذه عملات هشة لا يجب معاملتها معاملة العملات القوية، والحل أن تكون "مرنة"  تتحرك في حدود من خلال هامش مناسب يتغير مع الظروف والأحوال تحت ملاحظة مستمرة ودقيقة وحثيثة من البنك المركزي وبشرط ان تكون الحكومة قادرة على توفير العملة بهذه الأسعار.

وعودة إلى المكسيك، فبعد أقل من 20 سنة من توقيع اتفاقية النافتا، عادت الولايات المتحدة وأعادت النظر فيها  بعد أن سحبت المكسيك العديد من الشركات والمصانع من أميركا وكندا ومعها مئات الآلاف من فرص العمل بسبب رخص التكلفة. ووصف الرئيس ترامب  الاتفاقية بأنها أسوأ اتفاقية تجارية في التاريخ. وفي عام 2018 تم الغاء النافتا واستبدالها باتفاقية USMCA التي تضع شروطاً وتحدد نسباً من التصنيع يجب أن تتم في الولايات المتحدة من المنتج النهائي، ولا تقل عنها، وأيضا حددت حداً أدنى للأجور في المكسيك حتى تستطيع العمالة الأميركية المنافسة.

وبذلك تظل المكسيك في أحضان الولايات المتحدة جغرافياً واقتصادياً، حضن يواسيها في بعض الأحيان، وقد يخنقها في أحيان أخرى.

 

لتبقى على اطلاع بآخر الأخبار تابع CNBC عربية على الواتس آب اضغط هنا وعلى تليغرام اضغط هنا

 

 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

العلامات

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة